فصل: مسألة البكر يدخل عليها وليها ليشهد عليها في النكاح فتصمت:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة تحته امرأة ولها صاحبة معها في البيت وزوج المرأة يدخل في بيته:

قال: وسئل مالك عن رجل تحته امرأة ولها صاحبة معها في البيت، وزوج المرأة يدخل في بيته وصاحبتها قاعدة معها، قال: لا بأس بذلك إذا أكفت عليها ثيابها.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال، لأنه لا حرمة بينه وبينها، فإذا أكفت عليها ثيابها واستترت منه كما قال الله عز وجل: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} [النور: 31] الآية، لم يكن عليه بأس في الدخول عليها في بيته وهي قاعدة فيه مع أهله، إذ لو لم يحل له ذلك لكان من الحرج في الدين الذي قد رفعه الله عن عباده بنص التنزيل، وبالله التوفيق.

.مسألة الرجل يزوج ابنه ويدفع الصداق ثم يطلق الابن زوجته قبل الدخول:

ومن كتاب طلق بن حبيب:
قال: وسئل مالك عن الرجل يزوج ابنه ويصدق عنه ويدفع الصداق إلى المرأة، ثم يهيج بين الابن والمرأة شيء ثم يطلقها قبل أن يدخل بها، لمن ترى نصف الصداق؟ أللأب أم للابن؟ قال: للأب وليس للابن منه شيء قال ابن القاسم: والأجنبي مثله.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن الأب لم يهب ابنه شيئا وإنما ودى عنه ما وجب لزوجته عليه، فإذا طلقها قبل الدخول وجب أن يرجع نصف الصداق إلى الأب لأن الزوجة لم يجب لها، وهذا بين على القول بأن المرأة لا يجب لها بالعقد إلا نصف الصداق، وأما على القول بأنه يجب لها بالعقد جميع الصداق فيلزم على قياس قول ابن الماجشون أن يكون نصف الصداق للابن دفعه الأب إلى المرأة أو لم يدفعه إليها، وفي الواضحة قال ولو ألفى النكاح مفسوخا قبل البناء ففسخ سقط الصداق عن الحامل، وإن كان قد دفعه رجع إليه كله، قال ولو كان النكاح صحيحا فتباريا على المتاركة قبل البناء فإن ابن القاسم قال: يرجع جميع الصداق إلى الحامل إن كان قد أعطاه ويسقط عنه إن كان لم يعطه، وقال ابن الماجشون يرجع إلى الحامل النصف الذي يسقط عن الزوج بالطلاق قبل البناء، ويرجع إلى الزوج النصف الذي أوجب الله للمرأة بطلاقها قبل البناء قال عبد الملك: وبه أقول لأن ذلك النصف بمنزلة الجميع إذا باراها على رده بعد البناء وهو كله للزوج، وليس للحامل منه شيء، وهو القياس، ووجه قول ابن القاسم أن المرأة لم تملك بالعقد جميع الصداق ولا نصفه أيضا ملكا مستقرا إذ قد يسقط جميعه بالارتداد فليس استحقاق المرأة نصف الصداق بالعقد كاستحقاقها لجميعه بالدخول، وبالله التوفيق.

.مسألة الرجل تكون له أم الولد الشابة فيعتزلها ويتزوج فيريد أن يزوجها:

وسئل مالك عن الرجل تكون له أم الولد الشابة فيعتزلها ويتزوج، فيريد أن يزوجها فلا ترضى بذلك، قال: ليس له أن يزوجها إذا لم ترض، وإنما له متعتها، أن يطأها، فإن لم يكن له بها حاجة فليعتقها، وما علمت أن أحدا من أهل الفضل والفقه فعل ذلك بأم ولده، وإن هذه الأخلاق دنية، فقيل له: فليس له أن يزوجها إذا كرهت؟ قال: ليس ذلك له.
قال محمد بن رشد: لهذا رجح مالك أنه ليس له أن يجبرها على النكاح، وكان أولا يقول: إن له أن يزوجها بغير رضاها إذا زوجها ممن يشبهها من العبيد، فإن زوجها وغدا من العبيد وهي ذات حال في الجمال والشباب والعقل، لم يجز ذلك عليها لأنه حينئذ مضارها، وهو قول ابن المواز، ودليله ما في كتاب إرخاء الستور من المدونة، وجه قوله الأول أن أصلها الرق، وما فيها من الحرية تبع للرق الذي هو الأصل فيها، فيزوجها كما يطؤها وينتزع مالها، ووجه القول الذي رجع إليه أن الحرية قد سرت إليها بولدها، ودل على ذلك «قول رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في أم ولد: أعتقها ولدها» فلم يبق له فيها من الرق إلا ما أباح له الشرع من الاستمتاع بها طول حياتها فلم يكن له أن يزوجها.

.مسألة نظر الرجل إلى المرأة عند الزواج:

وسئل مالك عن الرجل يريد تزويج المرأة فيريد أن يغتفلها النظر، إما من الكوة ونحوها لينظر إلى جمالها، قال: ليدخل عليها بإذن، قال: قلت: لا يريد ذلك وإنما يريد أن يغتفلها، فقال: ما سمعت فيه شيئا، فقيل: إن قوما يحدثون في ذلك بأحاديث فقال: وما ذلك؟ قلت له: يقولون: إن له ذلك، قال: وما سمعت، وإني لأكره ذلك.
قال محمد بن رشد: قد جاءت في اغتفال الرجل النظر إلى المرأة إذا أراد أن يتزوجها آثار، من ذلك ما روي «عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذا خطب أحدكم المرأة، فقدر على أن يرى منها ما يعجبه فليفعل قال جابر: فلقد خطبت امرأة من بني سلمة فكنت أتخبأ لها في أصول النخل حتى رأيت منها بعض ما يعجبني، فخطبتها فتزوجتها» ولم يسمع ذلك مالك ولا صح عنده فكرهه، وأجاز ذلك ابن وهب، ولم ير به بأسا للآثار المروية فيه. وسئل أصبغ عنه وقيل له: بلغنا أن ابن وهب روى عن مالك إجازته فقال: لم يكن ابن وهب يرويه وإنما كان يقول برأيه ورواية الأحاديث.
وأما نظر الرجل إلى وجه المرأة بإذنها دون أن يغتفلها إذا أراد نكاحها، فأجازه مالك، كما يجوز له النظر إلى وجهها في الشهادة لها وعليها، ومن أهل العلم من لم يجز ذلك له، واحتج بما روي من أن «الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لعلي: إن لك كنزا في الجنة وإنك ذو قرنيها، فلا تتبع النظرة النظرة، فإنما لك الأولى وليست لك الثانية» قال: فلما حرم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النظرة الثانية لكونها باختيار الناظر بخلاف الأولى التي كانت فجأة بغير اختياره، دل أنه لا يجوز لأحد أن ينظر إلى وجه امرأة إلا أن يكون بينه وبينها من النكاح أو الحرمة ما يبيح له ذلك، وقول مالك هو الصواب لأنه إنما حرم من النظر إلى وجه المرأة ما كان لغير معنى يبيحه من نكاح أو شهادة، وأما استغفاله النظر إليها فإنما كرهه مالك مخافة أن يرى منها بعض عورتها، ومن أجاز ذلك للأحاديث المروية فيه فإنما يجيزه إذا أمن ذلك، وبالله التوفيق.

.مسألة المرأة أيدخل عليها خصيها أو خصي زوجها صغيرا كان أو كبيرا:

وسئل مالك عن المرأة أيدخل عليها خصيها أو خصي زوجها، صغيرا كان أو كبيرا؟ قال: أما ما تملك، فلا بأس به، وأما خصيان زوجها فإني أرجو أن يكون خفيفا، قيل له: فخصيان غيره؟ فكأنه كرهه وقال: خصيان زوجها أبين عندي، قال ابن القاسم:
وأحب إلي فيما لا يملكه منهم، من خصيان زوجها وغيرهم ممن بلغوا الحلم، ألا يرى شعرها ولا شيئا من زينتها إلا وجهها، وأما ما يملك فلا بأس به.
قال محمد بن رشد: استخف أمر خصيان زوجها للمشقة الداخلة عليها في الاحتجاب منهم مع كثرة ترددهم وتطوافهم، وقول ابن القاسم أقيس، وقد مضى من القول في هذه المسألة في رسم شك في طوافه ما يبين معناها، وبالله التوفيق.

.مسألة رجل خطب امرأة وشرط لها في نكاحها ألا يتزوج عليها وأن لا يتسرى:

وسئل مالك عن رجل خطب امرأة وشرط لها في نكاحها ألا يتزوج عليها وأن لا يتسرى، فإن فعل فهي طالق، وأحضر لذلك شهودا ثم تفرقوا، وترك ذلك وقد شهد الشهود على إقراره وكتبوا بذلك كتابا وقبضت المرأة الكتاب، ثم خطبها بعد ذلك فتزوجها وأشهد شهودا غير الأولين الذين كانوا شهدوا على الإقرار، فقامت المرأة تطلب ذلك الشرط وقال الرجل: قد تركت الأمر الأول ونكحت نكاحا جديدا على غير شرط، قال: من يعلم ذلك؟ أله بذلك بينة؟ قال: لا، قال: ذلك يلزمه إلا أن تكون له بينة.
قال محمد بن رشد: معنى هذه المسألة أن النكاح لم يتم أولا وإنما خطبها على ما سمى من الشروط وكتب في كتاب وقبضت المرأة الكتاب لتنظر، ثم ترك الخطبة زمانا ثم عاد إليها فتزوجها ولم تذكر الشروط ثانية، فقال: إنها له لازمة لأن الخطبة الثانية مبنية على الأولى التي ذكر فيها الشروط إلا أن تكون له بينة أنه إنما خطبها الثانية وتزوجها على غير شرط، ولو كان النكاح قد تم أولا وانعقد على الشرط ثم طلقها وخطبها ثانية فتزوجها لكانت الشروط بالطلاق لازمة لها ما بقي من ذلك الملك شيء، وإن اشترط أنها لا تلزمه، إذ ليس للمرأة أن تسقط عنه ما قد لزمه من الأيمان بالطلاق، وبالله التوفيق.

.مسألة الوليمة لإثبات النكاح:

قال مالك: كان ربيعة بن أبي عبد الرحمن يقول: إنما يستحب الطعام في الوليمة لإثبات النكاح وإظهاره ومعرفته لأن الشهود يهلكون.
قال محمد بن رشد: يريد أن هذا هو المعنى الذي من أجله أمر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالوليمة وحض عليها بقوله لعبد الرحمن بن عوف: «أولم ولو بشاة» وما أشبه ذلك من الآثار، وقوله صحيح، يؤيده ما روي «أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مر هو وأصحابه ببني زريق فسمعوا غناء ولعبا فقال: ما هذا؟ فقالوا: نكح فلان يا رسول الله، فقال: كمل دينه، هذا النكاح لا السفاح ولا نكاح السر حتى يسمع دف أو يرى دخان» والله الموفق.

.مسألة الإتيان إلى الوليمة:

وسئل مالك عن الإتيان إلى الوليمة، فقال: أرى أن يأتيها، فقيل له: ربما كان الزحام فيكره ذلك لموضعه، فقال: إن كان الزحام فإني أرى له في ذلك سعة، فقيل له: فيجيب وإن كان صائما؟ قال: نعم، أرى أن يجيب، أكل أو لم يأكل.
قال محمد بن رشد: قوله: أرى أن يأتيها، يريد: ولا سعة له في التخلف عنها إذا دعي إليها لقول رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إذا دعي أحدكم إلى الوليمة فليأتها» وقوله: «ومن لم يأت الدعوة فقد عصى الله ورسوله»، يريد بالدعوة دعوة الوليمة في العرس لأنها المشار إليها إذ هي المتقدمة المذكورة في الحديث فلا رخصة لأحد في التخلف عنها إلا من عذر، ورأى أن الزحام عذر رأى له في التخلف بسببه سعة لأن تقحمه إياه مؤذ له ومضر به، وقد قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا ضرر ولا ضرار»، فهو مخصص لعموم أمره بالإتيان إلى الوليمة، وكذلك يخصص بالشرع من عموم أمره بالإتيان إليها في حال يكون فيها من اللهو ما لا يجوز حضوره في غيرها خلافا لأبي حنيفة في قوله: إنه لا يسعه التخلف عنها لذلك؛ إذ قد أمر بالإتيان إليها أمرا عاما لم يقع فيه ثنيا، وقوله: أرى أن يجيب أكل أو لم يأكل، يريد أن الإجابة تلزمه، كان صائما أو مفطرا، فإن كان صائما صلى كما جاء في الحديث؛ أي دعا، وإن كان مفطرا فليس عليه بواجب أن يأكل، وإنما يستحب له ذلك ويندب إليه، لأن أمر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالأكل فيما روي عنه من قوله: «إذا دعي أحدكم فليجب، فإن كان مفطرا فليأكل وإن كان صائما فليصل» محمول على الندب عند مالك، بدليل قول النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ في حديث آخر: «إذا دعي أحدكم فليجب فإن شاء أكل وإن شاء ترك»، وأهل الظاهر يوجبون عليه الأكل بظاهر الحديث الأول، وما ذهب إليه مالك من استعمال الحديثين أولى من اطراح أحدهما.
وأما ما سوى وليمة العرس من الدعوات فمنها ما تستحب الإجابة إليه، ومنها ما يكره، ومنها ما يحرم على ما قد مضى القول فيه في سماع أشهب من كتاب الصيام خلافا لأهل الظاهر في إيجابهم إجابة الداعي جميع الدعوات بظاهر قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ومن لم يأت الدعوة فقد عصى الله ورسوله»، وسيأتي في رسم الطلاق الثالث من سماع أشهب القول في وجه تفرقة مالك بين الوليمة والسابع، وبالله التوفيق.

.مسألة يهوى المرأة فيتزوجها ليقضي منها لذته وليس من شأنه أن يمسكها:

وسئل مالك عن الرجل يهوى المرأة فيريد أن يتزوجها فيقضي منها لذته، وليس من شأنه أن يمسكها إذا قضى منها لذته، ويفارقها بعد أن يشتفي منها، قال: لا بأس بذلك، وليس هذا بجميل من أخلاق الناس، ولا أحسب إلا أن من النساء من لو علمت بذلك لم ترض أن تتزوج مثل هذا. قال مالك: وهذا بالعراق النهارية، فقيل لمالك: ما النهارية؟ فقال: قوم يتزوجون على أن لا يأتيها إلا نهارا ولا يأتيها ليلا، قلت له: ما سمعت بهذا، قال: بلى، هذا فيهم قديم، قيل لمالك: أفتكره ذلك؟ قال: نعم مكروه ولا خير فيه، قال عيسى: فإن وقع فسخ قبل البناء وبعده.
قال محمد بن رشد رَحِمَهُ اللَّهُ: أما الذي يتزوج المرأة ونيته أن يقضي منها لذته ويفارقها، فلا بأس بذلك كما قال، إذا لم يظهر ذلك ولا اشترطه، إذ قد ينكح المرأة ونيته أن يفارقها ثم يبدو له فلا يفارقها، وينكحها ونيته ألا يفارقها ثم يبدو له فيفارقها، ألا ترى أن الرجل لو نوى طلاق امرأته إلى مدة يشتفي منها إليها، لم يؤثر ذلك في جواز بقائه معها، والأصل في ذلك قول الله عز وجل: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} [المؤمنون: 5] {إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المؤمنون: 6] الآية، وهذا مثل ما أجاز ابن كنانة للرجل يقدم البلد فيريد أن يقيم فيه شهرا، من أن يتزوج ليستعفف، وينوي طلاقها إذا أراد الخروج إذا كان إنما هو أمر يحدث به نفسه دون أن يضمره.
قال محمد بن رشد: ولو علمت المرأة بذلك قبل النكاح كانت المتعة بعينها، وأما النهارية فلا تشبه هذه المسألة لأن الشرط في العقد، فهو نكاح فاسد على المذهب، والذي يأتي فيه على مذهبه في المدونة في الذي يتزوج المرأة على أن لا يشترط لها في مبيتها أن يفسخ قبل الدخول ويثبت بعده ويكون له أن يأتيها ليلا ونهارا، وهو قول أصبغ في المبسوطة، وحكى أنه قول مالك وأصحابه، خلاف قول عيسى بن دينار، ويتخرج فيما يكون له من الصداق إن دخل بها ففسخ النكاح قولان: أحدهما: أن لها الصداق المسمى لأنه نكاح فاسد العقد لما انتظم به من الشروط، والثاني: أن لها صداق مثلها، وهو الأظهر لما في الشرط من التأثير في الصداق، ومن أهل العلم من يجيز نكاح النهارية، وهو قول الحسن وعطاء، ومنهم من يكرهه، وهو قول الحكم وابن سيرين، وبالله التوفيق.

.مسألة الخدم يبيتون في لحاف واحد في الشتاء عراة:

ومن كتاب سن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
قال: وسئل مالك عن الخدم يبيتون في لحاف واحد في الشتاء عراة، فكره ذلك وأنكر أن يبيت النساء عراة ليس عليهن ثياب يلبسنها في لحاف واحد يتعرين فيه.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال، والكراهة فيه بينة، فقد جاء النهي عن ذلك، وروي أن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «نهى عن مكامعة الرجل الرجل بغير شعار، ومكامعة المرأة المرأة بغير شعار»، والمكامعة هي أن يضاجع الرجل صاحبه في ثوب واحد، أخذ من الكميع وهو الضجيع، ومنه قيل لزوج المرأة: كميعها، وقد روي معاكمة مكان مكامعة، وهي مأخوذة من ضم الشيء إلى الشيء، ومنه قيل: عكمت الثياب: إذا شددت بعضها إلى بعض، وقد روي أن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «نهى عن المكاعمة»، وهي أن يلثم الرجل صاحبه، أخذ من كعام البعير وهو أن يسد فاه إذا هاج، يقال: كعمه كعما فهو مكعوم، وكل شيء مشدود الفم فهو مكعوم.

.مسألة شرط الصداق في النكاح:

وسئل مالك عن رجل خطب إلى رجل أختا له فقال: ما عندك؟ قال: عندي خمسون درهما، فقال له رجل قاعد معه: إن جاءك بخمسين درهما أتزوجه؟ قال: نعم، إن جاءني بخمسين درهما فقد زوجته، فقال مالك: ما يعجبني هذا النكاح، ولا تزويج له. قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة في رسم حلف، وما فيها من الاختلاف، فلا معنى لإعادته.

.مسألة حكم إنكاح المرأة والعبد وإن استخلفهما أحد:

قال مالك: ولا يجوز إنكاح المرأة ولا العبد وإن استخلفهما أحد، قال ابن القاسم: قال مالك: فإن استخلفا رجلا جاز ذلك.
قال محمد بن رشد: قوله: ولا يجوز إنكاح المرأة والعبد وإن استخلفهما أحد، معناه: أنه لا يجوز لهما أن يليا عقد نكاح أحد من النساء وإن استخلفهما أحد على ذلك، ويجوز لهما أن يزوجا ذكور ولد من أوصى إليهما على ما في آخر رسم باع شاة، من سماع عيسى، ويجوز للعبد أن يزوج ابنه على ما في سماع أبي زيد، والفرق بين ولايتهما العقد على الذكور دون الإناث، أن الولي المعتبر به في صحة النكاح إنما هو الولي الذي من قبل المرأة لقول عمر بن الخطاب: لا تنكح المرأة إلا بإذن وليها أو ذي الرأي من أهلها أو السلطان، فإذا زوجت المرأة أو العبد من إلى نظرهما من النساء، فقد وقع النكاح بغير ولي، إذ لا يجوز ولاية المرأة ولا العبد، وإذا زوجا من إلى نظرهما من الذكور فلم يقع النكاح إلا بولي، لأن الأولياء المعتبر بهم في صحة النكاح أولياء الزوجات لا أولياء الأزواج، وهذا بين لا إشكال فيه، وقد وقع في كتاب محمد بن المواز، قال: وأما بنات من استخلف العبد فنكاحهن إليه ولا يعقد هو، ولكنه يستخلف غيره يعقده، وكذلك الصغار من اليتامى الذكور، وكذلك المرأة يوصى إليها بنحو ذلك هي مثل العبد، وقد قاله مالك فحمل بعض الناس هذا الكلام على ظاهره من أن الصغار من اليتامى الذكور الذين إلى نظر العبد بمنزلة الإناث اللواتي إلى نظره نكاحهم إليه، ولا يعقده هو، ولكنه يستخلف غيره على ذلك مثل ظاهر رواية ابن القاسم هذه وما في المدونة من قوله: ولا تعقد المرأة النكاح على أحد من الناس خلاف ما في رسم باع شاة، من سماع عيسى، وذلك خطأ صراح لما بيناه من أن الاعتبار بالولاية في النكاح إنما هي من جهة المرأة لا من جهة الرجل، والصواب أن رواية عيسى صحيحة مبينة لرواية ابن القاسم هذه على ما تأولناها عليه، ولما في المدونة لأن قوله فيها: ولا تعقد المرأة النكاح على أحد من الناس معناه على أحد من النساء، ولما في كتاب ابن المواز لأن قوله فيه: وكذلك الصغار من اليتامى الذكور، معناه أنهم بمنزلة الإناث في أن نكاحهم إليه لا في أنه لا يعقده هو، ولكنه يستخلف غيره، وأما العبد والكافر في بناتهما فلا يعقدان النكاح عليهن ولا يستخلفان على ذلك أحدا، ولا اختلاف في هذا، فالعبد يزوج ابنه وابن من أوصى إليه، ولا يزوج ابنته، ولا يستخلف من يزوجها، ويستخلف من يزوج ابنة من أوصى إليه ولا يزوجها هو، وكذلك النصراني سواء مثل العبد في هذا، والمرأة تلي العقد على من إلى نظرها من الذكور، ولا تليه على من إلى نظرها من النساء لكنها تستخلف على ذلك رجلا يصح له العقد، فهذا تحصيل القول في هذه المسألة، وبالله التوفيق.

.مسألة عبد أراد سيده أن يزوجه أمته فقال لا حاجة لي بالتزويج:

قال مالك في عبد أراد سيده أن يزوجه أمته فقال: لا حاجة لي بالتزويج، يسترق ولدي، قال: فتزوجها وولدك حر، فكره ذلك مالك أن يجعله للعبد شرطا، فإن وقع النكاح فسخ في العبد كما يفسخ في الحر، دخل أو لم يدخل، ويكون الولد إن ولد له أحرارا. قال محمد بن رشد: قوله: إن النكاح يفسخ قبل الدخول وبعده هو مثل ما يأتي في رسم الجواب من سماع عيسى، وفي رسم الكبش من سماع يحيى، ومثل ما في الواضحة وغيرها، لا أعرف في ذلك نص خلاف، ولا يبعد دخول الاختلاف في ذلك بالمعنى لجريانه على أصل مختلف فيه، وهو ما فسد من الأنكحة للشروط التي لا يجوز اشتراطها فيه، كالنكاح على أن لا ميراث بينهما أو على أن لا نفقة عليه، أو على أنه إن لم يأت بصداقها إلى أجل كذا وكذا، فلا نكاح بينهما، أو على أنه بالخيار أياما سماها، أو على أن لا يطأ نهارا، أو على أن الطلاق بيد غير الزوج، وما أشبه ذلك، فهذا الضرب من الأنكحة قيل فيها: إنها تفسخ قبل الدخول وبعده، وقيل: إنها تفسخ قبل الدخول وتثبت بعده، وإذا فسخت بعد الدخول فقيل: إنه يكون فيها الصداق المسمى، وقيل: إنه يكون فيها صداق المثل، وأما إذا لم يفسخ بعد الدخول وأقرت مع الزوج وأبطل الشرط، فإنها ترد إلى صداق مثلها، وبالله التوفيق.

.مسألة رجل تزوج امرأة وشرط لها ألا يخرج بها إلى موضع إلا برضاها:

ومن كتاب أوله أخذ يشرب خمرا:
قال: وسئل مالك عن رجل تزوج امرأة وشرط لها ألا يخرج بها إلى موضع إلا برضاها، فخرج بها برضاها إلى موضع، ثم رجعت إلى المدينة، ثم خرج بها الثانية، ثم استأذنته فقال لها: لا أتركك، فقال له أبوها: ائذن لها، وثقل عليه فقال: لا، حتى تحلف بطلاق امرأتك البتة ألا تحبسها عني أكثر من عشرة أيام، فقال له مالك: قد قرئ علي البارحة كتاب فيه لأردنها إليك إلا أن يغلبني أمر لا أملكه، فإن كان إنما هو لا يحبسها فلا أرى عليه شيئا إذا هو لم يحبسها، وإن كان على ما قرئ علي فلا أرى ذلك ينفعه إلا أن يردها وإلا لزمته اليمين، كأنه لم ير قوله: إلا أن يغلبني أمر لا أملكه، ثنيا، قال عيسى: قال لي ابن القاسم: تفسير هذا إذا حلف ألا يحبسها فلم يحبسها ولم ترد هي الرجوع، فليس عليه حنث، وإن كانت يمينه لأردنها إلا أن يغلبني أمر لا أملكه، فإنه إن لم يردها حنث، وليس استثناؤه بشيء.
قال محمد بن رشد: تكلم مالك في هذه المسألة على يمين الأب بما هو بين في المعنى من تفرقته بين أن يحلف ألا يحبسها، أو ليردنها إلا أن يغلبه أمر لا يملكه، وإنما لم ير قوله: إلا أن يغلبني أمر لا أملكه، ثنيا ينتفع بها؛ لأن المعنى عنده فيما حمل عليه استثناؤه أنه أراد به إلا أن يغلبني من هواي في أن لا أردها إليك بما يظهر إلي من الرشد في ذلك ما لا أملك دفعه عن نفسي، فلم ينتفع بذلك إذ هو قادر على مخالفة هواه، كمن حلف ليضربن عبده إلا أن لا يقدر أن يخالف هواه، في أن لا يضربه، ثم لم يضربه، فهو حانث. ولو استثنى فقال: إلا أن أرى خيرا من ذلك، أو: إلا أن يغلبني أحد على ذلك، وما أشبه ذلك، لنفعه استثناؤه، ولم يتكلم على منع الزوج إياها من الرجوع بقوله لها: لا أتركك؛ إذ قد تركها، ولو لم يتركها لحنث بما حلف به في الشرط الذي شرط لها ألا يخرج بها على ما مضى في رسم الشجرة من اختلاف في ذلك، وبالله التوفيق.

.مسألة امرأة تزوجت على وجه الغلبة فأراد صاحبها التحلل منها:

ومن كتاب أوله يسلف في المتاع والحيوان المضمون:
وقال مالك في امرأة تزوجت على وجه الغلبة، فأراد صاحبها التحلل منها، قال مالك: أرى ذلك نكاحا غير جائز، وأرى لها ألا تزوج حتى يستبرئ رحمها من ذلك الماء بثلاث حيض.
قال محمد بن رشد: قوله: أرى ذلك نكاحا غير جائز؛ أي غير لازم ولا منعقد، إذ لا ينعقد النكاح إلا برضا المتناكحين كما لا ينعقد البيع إلا برضى المتبايعين، فالواجب عليه أن يفارقها بغير طلاق، ثم لا يتزوج حتى يستبرئ من مائه من ثلاث حيض لأن استبراء الحرائر بثلاث حيض.

.مسألة الرجل يزوج المرأة ويشترط على زوجها أن ينفق على ابن لها صغير:

ومن كتاب أوله تأخير صلاة العشاء في الحرس:
وسئل مالك عن الرجل يزوج المرأة ويشترط على زوجها أن ينفق على ابن لها صغير، قال: ليس هذا من عمل الناس، فقيل لمالك: فيشترط لخدمها؟ قال: لا يشترط أن تنفق على رأس لا ولد ولا غيره، وكرههما جميعا، قال: لا أرى ذلك، وليس هذا من عمل الناس، قال عيسى: وسئل ابن القاسم عن هذا إذا وقع ودخل، قال: أرى أن يفسخ عنه الشرط ويعطي صداق مثلها لما وضعت، وإن لم يدخل بها فسخ النكاح، لأن العقدة كانت مكروهة، ولعل الصبي لا يعيش شهرا أو يعيش عشرين سنة، فلا خير فيه وإن طرحت المرأة الشرط.
قال محمد بن رشد: الفساد في هذا النكاح بين لأنه شرطت عليه نفقة مجهولة غير محدودة لمدة معلومة، فكان نكاحا فسد لصداقه، يفسخ قبل الدخول وإن طرحت المرأة عليه الشرط، ويثبت بعده ويكون فيه صداق المثل على ما قال ابن القاسم، فقوله تفسير لقول مالك، وقد روي عن أبي محمد بن الشقاق أنه قال: كرهه مالك من غير الوجه الذي كرهه منه ابن القاسم؛ لأن مالكا قال: لم يكن ذلك من عمل الناس، فسواء عنده ضرب أجلا أم لا، هو مكروه، وعلى قول ابن القاسم: إن ضرب أجلا فلا بأس به، وهو بعيد، إذ لا وجه لفساده إلا الجهل بمقدار النفقة المشروطة على الزوج، وللزوج الرجوع على المرأة بما أنفق بالشرط على ولدها أو على من لا تلزمه النفقة عليه من خدمها إلى حين فسخ النكاح أو تصحيحه بصداق المثل، وفي كتاب محمد بن المواز عن أصبغ أن النكاح لا يفسخ إذا طرحت المرأة عنه الشرط، قال: ولا أعلم إلا وهو قول ابن القاسم، وهو أيضا قوله فيما يشبهه، والمشهور من قول ابن القاسم ماله ها هنا أن النكاح يفسخ وإن رضيت المرأة بطرح الشرط خلاف مذهب أصبغ.

.مسألة البكر يدخل عليها وليها ليشهد عليها في النكاح فتصمت:

ومن كتاب أوله كتب عليه ذكر حق:
وسئل مالك عن البكر يدخل عليها وليها ليشهد عليها في النكاح فتصمت، أعلى الشهود أن يسألوها أو الولي إن لم تتكلم برضاها؟ فقال مالك: لا، رضى البكر صماتها، فإذا صمتت فلا يسألها الولي ولا الشهود إن لم تتكلم، وهو رضى، وإن أنكرت فعليها أن تتكلم، واحتج بالحديث.
قال محمد بن رشد: وجه استئمار البكر في النكاح أن يقول لها وليها بحضرة الشهود قبل عقد النكاح: أزوجك من فلان، فإن سكتت اكتفى بذلك منها، وليس عليهم أن يسألوها فيقولوا لها: رضيت أم لا؟ هذا معنى قوله في هذه الرواية، وكذلك ليس عليهم على ظاهر هذه الرواية، ومذهب ابن القاسم في المدونة أن يعلموها أن إذنها صماتها لأنها محمولة على أنها عالمة بذلك. وروى محمد بن مسلمة عن مالك أنه ينبغي لهم أن يعلموها بذلك، إذ ليس كل بكر تعلم أن إذنها صماتها، وعلى هذه الرواية يأتي قول غير ابن القاسم في المدونة، وهذا إذا كانت تعلم أن إذنها صماتها.

.مسألة نكاح المحرم:

ومن كتاب الشريكين:
وقال مالك في نكاح المحرم: إنه فسخ ليس فيه طلاق.
قال محمد بن رشد رَحِمَهُ اللَّهُ: هذا أحد قولي مالك في المدونة، وهو اختيار سحنون فيها، خلاف اختيار ابن القاسم أنه يفسخ بطلاق مراعاة للاختلاف، وما اختاره سحنون هو القياس على أصل المذهب في أن المحرم لا يجوز نكاحه، وما لا يجوز لا ينعقد، فكان الأولى أن لا يسمى فسخا إذ لا يفسخ إلا ما قد انعقد، وسيأتي القول في رسم من كان منزله دون الميقات فيمن نكح قبل طواف الإفاضة وبعد رمي الجمرة، وبالله التوفيق.

.مسألة زوجت جارية لها مملوكة غلاما مملوكا وكان لامرأة بغير إذن سيدته:

ومن كتاب اغتسل علي غير نية:
قال: وسئل مالك عن امرأة زوجت جارية لها مملوكة، غلاما مملوكا، وكان لامرأة، بغير إذن سيدته، فعلمت بذلك سيدته فلم تجز النكاح وفرقت بينهما، فحلفت سيدة الجارية بحريتها أنه لا تزوجها منه الثانية إلا برضى سيدته، فماتت السيدة وورثتها، فأحبت سيدة الجارية أن يتزوجها الغلام؟ قال: لا أحب لفلان أن يزوجها إلا برضى الورثة الذين يملكونه كما كانت تستأذن سيدته.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال لأنها لم ترد سيدته تلك بعينها وإنما أرادت مالكته لئلا يفرق بينهما الثانية كما فعلت في الأولى، فوجب أن تكون اليمين لازمة لها في كل من انتقل إليه ملكه بأي وجه كان، من ميراث أو غيره، وسيأتي في آخر رسم من سماع عيسى نقدها، نحو هذا المعنى، وبالله التوفيق.